إيران تنهال بالرصاص.. صيادو الأهوار يبحثون عمن ينجدهم

red artwork

"لماذا يحصل هذا لنا؟ هل لكوننا نتحدث بشكل مختلف ونلبس ثيابًا لاتشبه ثياب لاتشبه من يسكن المدينة؟ ما السبيل لكي يتحدث العالم عما يحصل لنا؟ اننا نواجه القتل، تموت قصصنا معنا بصمت، وليس لدينا حل." 

 

لا يريد مصطفى هاشم،( ٢١ عاما) من العالم، سوى ان يسمع ما يحصل لشعب الأهوار، يقول انهم تخطوا مرحلة البحث عن حديث الإعلام ودعم الجهات المختصة، الحكومية مثلا، بل تعدى الأمر، ان يتم قتلهم بسكوت، ومن ثم يكمل القتلة يومهم بهدوء، حيث لا صوت يحيط بهم ليوقفهم، لا صوت سوى نحيب الامهات. 

 

يحاول مصطفى، ان يكون شاهداً على خطوات الظلم الممتدة نحو قريته في هور الحويزة في الناصرية/ جنوب العراق، لم تمنحه الحياة سوى لقطات لأصدقاءه وهم يقعون امامه، او يتعرضون لاصابات ومحاولات ضرب من قبل شرطة الحدود الايرانية، ما السبب؟  تريد الحكومات التحكم بالمسطحات المائية التي يحاول فيها الصيادين ايجاد رزقهم، عوضاً عن اماكن اخرى لحق الجفاف مياهها وجعلت سكانها يبحون عن بدائل وان كانت "خطرة" يوضح مصطفى بحديثه كأحد الشهود على تعامل شرطة الحدود الايراني مع  الاهوار بسرد حكايته قائلا:

"نعيش المعاناة كل يوم، حينما يحاول الصيادين الاهواريين، الوصول إلى مناطق مائية تتميز بارتفاع منسوب المياه، مما يعزز فرص الصيد بشكل أكبر، تقوم قوات حدود إيران بالتوغل داخل الحدود العراقية وتنشر نقاط تفتيش، مما يعقد المهمة على الصيادين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين مياه الصيد ونقاط التفتيش، على الرغم من أننا في أرضنا الخاصة، وبالطبع فنحن لسنا بمجانين لعبور الحدود، نحن في ارضنا ولا يمكننا التنقل فكيف بالمكان الآخر؟ المهم، هو ان نقاط التفتيش هذه، تقتلنا."

 

كيف تكون المعاناة؟ 

يعيش مصطفى في هور الحويزة، حيث يكون له نصف ثانٍ في الجانب الايراني، وتنتشر نقاط تفتيش كثيرة وباعداد مهولة، عند الحدود، لا يقترب الصيادين كثيرا منهم، غير مسلحين، لا يريدون شيء سوى السمك، ورزق لهم، لا يحملون معهم سوى شباكهم، وزوارقهم، لكنهم يواجهون بالرصاص الحي، في وسط ارضهم، يبدأ الجندي بالرمي في الهواء، ثم تنتقل الرصاصات نحو اجساد الصيادين فتحول رحلة البحث عن اللقمة الى عناء أبدي.

 

يؤكد مصطفى بشجاعة أن الصيادين يتحدون خطر المكان رغم كل الصعوبات، لكنهم يصرّون على أن هذا الهور ينتمي إلى لهم ويشكل جزءًا من هويتهم وجذورهم، يبرز أنه لا توجد نقاط تفتيش عراقية في الأراضي الإيرانية، لكن الصيادين يجدون أنفسهم تحت تأثير التصعيد من القوات الإيرانية التي تتعامل بطريقة عدائية وقمعية.

 

يوضح أن الجنود الإيرانيين يطلقون النار في الهواء في البداية، لتليها طلقات تستهدف زوارق الصيادين، مما يجبرهم على التخلى عن مصدر رزقهم والعودة سباحة إلى أراضيهم. يقول.:

 

واجهت لحظات من الرعب حينما كنت على وشك مواجهة الموت، بعدما قرر أحد الجنود الإيرانيين ضربي، ولكن الرصاصة اخترقت المكان الذي اجلس عليه. تجربة مروعة، ولكن الأمر الأكثر رعباً عندما فقد أحد أبناء قريتنا حياته. كان قد توجه للصيد في ذلك المكان؟ فأطلق احد الجنود فخذه، حاول صديقه إعادته إلى المنزل البعيد 30 كيلومترًا من مسطحات المياه، للاسف، لم يكن هناك إسعاف أو مستشفيات. نزف دمه حتى وصلوا ببركة دم في الزورق، وفارق الحياة."

 

الموت على بعد ٥٠٠ متر 

انها ليست الحالة الاولى، يتحدث مصطفى بحرقة، مؤكدا ان تجمهر الصيادين يكون على بعد اكثر من ٥٠٠ متر من شريط الحدود، اي انهم يتعرضون للتصفية داخل اراضيهم، وكلما حاولوا الشكوى، يقابلهم الجانب العراقي بالعنصرية والسخرية، واحيانا "تمني الموت" يوضح مصطفى ان الكثير من الاشخاص فقدوا حياتهم، اثناء رحلة الصيد، وتحللت جثثهم او اكلتها الاسماك، ولم يعرف عنهم ذويهم حتى اليوم شيئا، محملاً الجانب العراقي مسؤولية منح الشرعية لكل ما يحدث بحق  شعب الاهوار، اذ تساهم بتشديد التضييق على الاهواريين من خلال فرض اوراق تصريحات وبطاقات فقط لتنقلهم من قرية لأخرى، ويبين بحديثه 

"من اجل الوصول الى بداية هور الحويزة الذي هو جزء من ارضنا، نحتاج لتصريح، وحينما نناله، نتعرض للقناصين الايرانيين، وحينما نعود للمحاكم العراقية، نفشل مرة اخرى، بحجة "اقترابنا" من حدودهم، هذه الجملة تكفي بطمس القصص ودفنها مع اصحابها، في الهور." 

 

في الاسبوع الواحد، هنالك العديد من الإصابات، لا يمكن عد المصابين من رصاص شرطة الحدود، لكن ما لا يمكن معرفته هو عدد الجثث التي بقيت عند الجانب الايراني، ولم يتلقاها ذويها، والسبب هو محاولة البعض الدخول الى الحدود بسبب حاجتهم الملحة الى المال، يقول مصطفى 

"بعض العوائل تعاني فقرا مقدعا خاصة بعد جفاف المياه وموت حيواناتهم وسبلهم الوحيدة للنجاة، فكانوا يحاولون العبور نحو الجانب الايراني حيث الاحوازيون، فقط من اجل شراء الاغنام او الزيت والرز بسعر رخيص وبيعه بسعر اغلى قليلا في الجانب العراقي، انهم لا يهربون مواد ممنوعة، نعم قد يكون دخولهم غيو قانونيا لكن لا يتم محاسبتهم بالقانون، بل يتم اعدامهم في مكانهم وسحب جثثهم ورفض اعطاءها، حيث تراهم الكاميرات الحدودية ويتم قتلهم بواسطة قناص.

 

هل تدعم القوات العراقية موت الصيادين؟ 

يبين مصطفى، ان احدى العوائل رفعت قضية من اجل 

استرجاع جثة ابنهم، التي بقيت لأكثر من ثلاث اسابيع في ايران، وفي البدء رفضت السلطات الايرانية تسليمه، حيث حاولت عائلته بدون اي تدخل من الحكومة العراقية، بالعكس، واجهت عائلة المقتول صعوبات للحصول على جثته على الاقل، اي اضافة لقتله، فإنهم يتعاملون معه وكأنه جزء من ممتلكاتهم، وحينما تم استلامه، رفض الجانب العراقي منح عائلته اي حقوق، اكدوا ان الضحية يستحق ما حصل له، حتى ان بعض العوائل الاهوارية تخشى الحديث حول هذا الموضوع بل وتتكتم على المصائب التي تحيط بها، يكمل مصطفى بقوله 

"الشاب الذي تم قتله في زورقه وفي ارضه وهوره يدعى كاظم، ويبلغ من العمر ١٩ عاما، خسر حياته فقط لرغبته بصيد عدد اكبر من السمك ومنح عائلته حياة افضل، الرجل الذي عبر الحدود لجلب الرز والزيت كان يبلغ من العمر ٣٠ عاما، وغيرهم ممن لا نعرف اسمائهم، المصابين والخائفين، ارقام، يخبرني احد الضباط، ويتساءل بسخرية، الم يقض عليكم الجانب الايراني حتى الان؟ متى يقتلوكم جميعا ونتخلص من وجودكم؟"

 

الحياة في الهور 

انهم مضطهدين، يتم التعامل معهم بفوقية، ويتم تصفيتهم داخل ارضهم من قبل قوات الحدود، سحب كل شيء منهم، مياههم، جواميسهم، مهنهم اليدوية، القصب، ثم حتى ما تبقى من الاسماك، يضطر بعضهم للهجرة الى المدن، ترفضه وتتركه عند حدودها، او تساهم بقتله، يعاني الاهواري، من العيش في هذه البلاد، هو الذي سكنها لآلاف السنين، يحاولون الانتفاضة، ويواجهون الرصاص من الحكومة العراقية، يطالبون بمياههم، يقمعون، يخرجون من ارضهم، يقمعون وتصدر الكتب الرسمية الرافضة لهم، ما الذي يفعله الاهواري؟ وكيف يعيش في بيئته آمنا؟ يتساءل مصطفى، الذي لطالما اراد النجاة والعيش في مكانه دون خوف، يقول:

"هنالك احتلال يفرض علينا في موطننا الأصلي، يرفض دخولنا لإي هور دون تصريح يحصل بموافقة جميع الاطراف، نحن لم نخترق شيء، ولم نتجاوز المسطحات المائية، يحق لنا التنقل في جميع الاهوار لإنها كلها أرضنا، نفعل كل شيء من اجل العيش وعودة المياه الينا، لكن سياسة القتل باقية ولن تتغير، اذ لا فرصة ليسمع صوتنا."